ما هي الاسباب الحقيقة لهجرة مليون سعودي..؟ ولماذا طفت على السطح الآن؟ وهل ستتحول المملكة الى دولة طاردة للسكان؟
23 فبراير، 2016
697 11 دقائق
يمنات – رأي اليوم
هناك بلاد معروفة بانها “طاردة” للسكان مثل لبنان وايرلندا وبولندا، وهناك اخرى “جاذبة” لهم مثل كندا واستراليا والولايات المتحدة الامريكية ونيوزيلندا (العالم الجديد)، علاوة على بعض دول الخليج مثل الامارات العربية المتحدة (دبي)، وقبلها الكويت، ولكن ان تتحول المملكة العربية السعودية الى واحدة من المجموعة الاولى، اي مصدر للهجرات المعاكسة، وهي تملك 25 بالمئة من احتياطات النفط في العالم، فهذا امر يثير العديد من علامات الاستفهام.
المملكة العربية السعودية تشهد هذه الايام جدلا “صحيا” صاخبا، وغير مسبوق في وسائل الاعلام والمنتديات السياسية، محوره “قنبلة” فجرها السيد صدقة فاضل عضو مجلس الشورى السعودي عندما قال، وتحت “قبة” المجلس، ان هناك مليون سعودي (5 بالمئة من عدد السكان البالغ تعدادهم 18 مليونا) هاجروا واستقروا في بلدان عربية واجنبية، وطالب الوزارات المعنية بإعداد دراسة كاملة عن هذه الظاهرة، وتأثيراتها على الاقتصاد لان نسبة كبيرة من هؤلاء من الكفاءات وحملة الشهادات العالية، ولم يجدوا فرص عمل ملائمة في بلدهم.
الرقم ليس كبيرا بمقاييس دول مثل لبنان والاردن والجزائر والمغرب، حيث يزيد اعداد المواطنين المهاجرين من لبنان، على سبيل المثال، عن ضعفي عدد مواطنيه الحاليين، ولكنه صادم بالنسبة الى دولة مثل المملكة العربية السعودية حيث يوجد حوالي عشرة ملايين عامل اجنبي من اكثر من 150 جنسية على اراضيها.
الذين تناولوا هذا الموضوع من السعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي بعض الصحف، تجنبوا الخوض في الاسباب الحقيقة لهجرة هؤلاء، خوفا من التعرض للاعتقال والمحاكمات، خاصة ان القانون السعودي يعاقب بالسجن لعشر سنوات لكل من يطالب بالاصلاح او “يغرد” بتغريدات انتقادية للدولة وسياساتها، وكان التناول في معظم الحالات “عموميا”، ويرد الامور الى اسباب اجتماعية وعلى استحياء شديد.
لا نجادل بأن الاسباب الاجتماعية تلعب دورا في حدوث هذه “الظاهرة”، ولكن هناك اسباب اخرى مركزية، مثل انسداد الافق السياسي، وغياب الحريات، والقضاء العادل المستقل، والفرص المتساوية في العمل، واستفحال الفساد والمحسوبية.
في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز بلغ عدد الطلبة والطالبات المبتعثين للعمل في جامعات امريكية واوروبية اكثر من 205 آلاف في مختلف التخصصات في السنة الواحدة (انخفض العدد الى اقل من النصف حاليا بسبب اجراءات التقشف)، وعودة هؤلاء الى المملكة بعد تخرجهم، واطلاعهم بالتالي على اسلوب حياة اكثر عصرية وحرية، وعمل المؤسسات البرلمانية، ونظم الحكم في البلدان التي درسوا فيها، خاصة الغرب، يجعلهم، او نسبة كبيرة منهم، لا تشعر بالراحة في العيش في بلدهم التي تغيب فيه معظم هذه المؤسسات، ونظم الحكم القائمة على الشفافية والمحاسبة والمساواة، ناهيك عن صعوبة الحصوا على العمل المناسب.
العامل الاقتصادي يلعب دورا مهما ايضا، فانخفاض الدخل القومي السعودي من عوائد النفط بحوالي سبعين في المئة في العامين الماضيين، سينعكس سلبا على القوى العاملة من السعوديين، اذا وضعنا في اعتبارنا ان حوالي 40 بالمئة من الشباب من الجنسين يعانون من البطالة بشقيها الحقيقي والمقنع، علاوة على حوالي مليوني ونصف المليون يقفون في طابور “مساعدات البطالة” مطلع كل شهر، فان الصورة تبدو اكثر وضوحا.
الاعتراف بوجود ظاهرة الهجرة هذه علانية، والاهتمام الرسمي بدراستها خطوة ايجابية، ولكن الاكتفاء بذلك ودون تبني حلول سياسية واجتماعية واقتصادية تتناول جذورها، ربما يعطي نتائج عكسية، خاصة انه من المتوقع ان تتفاقم هذه الظاهرة في الاعوام المقبلة بسبب حروب المملكة في سورية واليمن، ونفقاتها الباهظة التي تكلف ميزانية الدولة عشرات المليارات من الدولارات سنويا، وتأكيد دراسات عديدة بأن اسعار النفط ستستمر في الانخفاض طوال السنوات الخمس المقبلة الامر الذي يعني المزيد من اجراءات التقشف وتقليص الانفاق العام على مشاريع بنى تحتية، وتقليص فرص العمل في نهاية المطاف بالنسبة الى الشباب.
من يذهب الى امارة دبي، حيث يعيش اكثر من مئة الف سعودي، يعمل بعضهم في وظائف متدنية، وينكرون جنسياتهم، او يصادف مضيفات سعوديات يعملن على الخطوط الاماراتية، وان كان العدد ضيئلا في الوقت الراهن، يدرك حجم ظاهرة الهجرة هذه، مثلما يدرك حجم المتغيرات المتسارعة في المجتمع السعودي ايضا.
عندما تتعرض فتاة للسحل في احد شوارع الرياض وتجرد من ملابسها، او معظمها، على ايدي بعض المتشددين الاسلاميين (هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وتمنع بنات جنسها من قيادة السيارة، وهن يرين زميلاتهن على بعد بضعة كيلومترات في دول الجوار يمارسن هذا الحق، فمن الطبيعي ان يفكر بعضهن، واسرهن، بشد الرحال الى اماكن اخرى في دول الجوار العربي والخليجي، او في الغرب، حيث الحقوق والمساواة وفرص العمل التي تعتمد على الكفاءات، وليس الولاء والقبيلة والمناطقية والطائفية.